اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 229
[استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه] :
ومضت قريش في مسيرها مستجيبة لرأي (أبي جهل) ، حتى نزلت بالعدوة القصوى من وادي بدر، وكان المسلمون قد انتهوا من رحيلهم المضني إلى العدوة الدنيا.
وهكذا اقترب كلا الفريقين من الاخر، وهو لا يدري ما وراء هذا اللقاء الرهيب.
وهبط الليل، فأرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وسعدا يتحسّسون الأحوال، ويلتمسون الأخبار، فأصابوا غلامين لقريش كانا يمدّانهم بالماء، فأتوا بهما، وسألوهما- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي- فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء.
فكره القوم هذا الخبر، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان- لا تزال في نفوسهم بقايا أمل في الاستيلاء على القافلة! - فضربوهما ضربا موجعا، حتى اضطر الغلامان أن يقولا: نحن لأبي سفيان! فتركوهما؛ وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه وسلم وقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما!! صدقا والله إنّهما لقريش» .
ثم قال للغلامين: «أخبراني عن قريش» ، قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما: «كم القوم؟» قالا: كثير، قال: «ما عدتهم؟» قالا: لا ندري، قال: «كم ينحرون كلّ يوم؟» قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمئة إلى الألف» ، ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وعمرو بن هشام، وأمية بن خلف ... إلخ.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: «هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» [1] . [1] أخرجه ابن هشام: 2/ 65، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير بهذه القصة. وهذا إسناد صحيح، لكنّه مرسل. وقد رواه أحمد، رقم (948) من حديث علي بن أبي طالب، دون قوله: «ثم قال لهما..» وسنده صحيح، ورواه مسلم: 5/ 170، مختصرا من حديث أنس.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 229